*----------- { مـتـاهـة السـراب } ------------*
هذا زمن الاختلاط والتداخل والتفاعل والانسحابِ
والانكسار والتسيّب والاستهتار والقلق والاكـتئابِ
وفساد الشعور وتوتر النفوس وانفـلات الأعصابِ
ولا تسأل عن سوء النوايا والظن وكثرة الارتـيابِ
وقد ساد التهور والتوحش وبرز شعور الاغـترابِ
فالبعض يعمل واثـقا والبعض يسبح فوق السّحابِ
والأوهام أغرت الكثيرين واتسعت متاهة السّرابِ
وزادت هواجس العداوة بحكم اليأس والاضطرابِ
ولسنا في ملاذ من تكرر جرائم القتل والاغتصابِ
والعالم يضج بالمستجدات وما يدفـع إلى الانجذابِ
وسريعا ما تـنكسر ميول الانبهار ونشوة الاعجابِ
ويخـيّم التفكير المحبط في ظواهر الردة والانقلابِ
وما يعيشه المجتمع من اختلالات وتعدد الأعطابِ
ويصعب فهم التحولات لانعدام الذكاء والاستيعابِ
ولو حاولت طرح الاشكال فلن تحصل على جوابِ
فقد عم الجشع والانحراف بدل التوازن والصّوابِ
ولا يمكن التفـكير بالهدوء والأمن إلا تحت التّرابِ
ومهما تجـتهد في التصور فقد تسيئ دقـة الحسابِ
بحكم تعكر المزاج وتواتر المحن وشدة الاستلابِ
ومن عاش خاوي العقل يبقى حـتما فارغ الأجيابِ
والتسرع في نيـل أيّة رغبة يزيد في كثرة الأتعابِ
فلا أبدية لإنسان أيّـا كان فالجميع محكوم بالذهابِ
وحقا لا شيء في يديه من حلال وحرام الاكتسابِ
ولا حتى ما غلى من معادن نفـيسة وجميل الثـيابِ
فلا داعي إلى الحسد واللهفـة والتهالك والانتحـابِ
والواقع أن الدنيا جميلة ومتاحة لأصحاب الألـبابِ
وبنور العقل يمكن للبـشر تذليل الشدائد والصّعابِ
والوجود يفـيض بالنعم والخيرات وواسع الرّحابِ
ومن يفكر بنجاعة وقناعة يكتشف أيـسر الأسبابِ
فالتـفاؤل من شـيم النبهاء ونعمة تفتح جلّ الأبوابِ
والتشاؤم مفسدة وينـتهي دوما بالأشجان والـيـبابِ
وماذا ينتظر أهل البغي والكـيد سوى سيئ العقابِ
فالدعاء ربّما لا يكفي لنيل الرحمة وحسن المـثابِ
والأكيد أن العمل الصالح لا يوجب كثرة الانكبابِ
كن إنسانا ذا قـيم وسوف تبلغ ما تريد من انسيابِ
وستجد سبيل الخير سهلة وجاذبة لأوفى الأحبابِ
ومن تحلى بالفضل والبر ينجو من اللوم والعـتابِ
ومن اختار سبيل الشر فلقد انحاز إلى قلة الثوابِ
والعاقل مخير بين سلامة العواقب وجحيم العذابِ
وغالبية تستحق قطع الألسن وحتى فصل الرّقابِ
فالبعض خرج عن المألوف وتخيّر عقاقير الغيابِ
فكأنه يتعاطى هواية روحانية أو لعبة من الألعابِ
ومن لم يتدارك يسقط ويصاب بالادمان والاطنابِ
ولا فرق بين تغييب الوعي واعتناق آفة الارهابِ
فكلاهما ينتهي إلى مهالك وخيمة وتدمير وخرابِ
*------{ بقلم الهادي المثلوثي / تونس }-------*
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق