حوار : ( رجـــــلٌ وقـــمّــــــة )
وما إن وصلتُ
قمّةَ الجبلِ
حتى لفحني البردُ
ورذاذُ الثلجِ
على وجهي نزَلْ
ها الريحُ تطوّقني
بعنفِ ذراعيها
وها ضلعي
على صخرِ الأرضِ
انكسرْ
قلتُ للقمة :
" عنّفيني لا أبالي
من يهوى القممَ
لا يهابَ الخطرْ "
أجابتني والتحدّي بعينيها :
" لا شيءَ يعلو
على ارتفاعي
هنا
أنا التي أُمحي الأعمارَ
وهنا
أنا التي أكتبُ القدرْ"
قلتُ للقمةِ :
" لا تتحدّي إنساناً
بمعركةِ الإرادةِ انتصرْ "
قالتْ :
" وهنا
أنا مالكةُ الأرضِ
وآمرةُ الريحِ والبردِ
والمطرْ"
أجبتها :
" نظرتُ يوماً
من بعيدٍ إليكِ
وقلتُ "سأصلكِ"
وسأعاند كي أصلكِ
حتى لو كنتِ
في زُحَلْ
متى نوى الإنسانُ
على شيءٍ
عالمٌ من الأكوانِ
إلى قدميه حضرْ
ليست تلك أول مرةٍ
أحاول فيها امتطاءكِ
في المرةِ الأولى
نزفتُ حتى كدتُ أموتُ
وفي ِ الثانيةِ
أصبعٌ من أصابعي انعصرْ
وفي الثالثة
أصابتني حمى خطيرةٌ
وفي الرابعة
ها أنا على قمّتك
راسخٌ شامخٌ كالبطلْ "
قهقهت بنظراتها الواثقة
وهمست :
" وها أنت تحدَّيتَني
ووصلتَ
أمفتخرٌ بما فعلتَ؟
قُل لي ماذا بعد...
ماذا بعدي يا بطل؟
لا قمماً غيري ها هنا تدرُكها
إلا في الأحلامِ
وفي الصورْ
أتعرف؟
مخدوعٌ من قال
في الحياةِ وَصَلْ
غداً تتبخّر مثل الضبابِ
فرحتُك
وغداً تحمل
تحت إبطك خيبتَك
وتنزل مثلما أتيتَ
عن الجبلْ
كلُّ صعودٍ يتبعه هبوطٌ
وكلُّ تلةٍ
بعدها منحدَرْ "
قلتُ للقمةِ :
" وصولي إليكِ
ليس وصولاً جغرافياً
فأنتِ لا زماناً
ولا مكانَاً أنشدُه
أنت حجتي في تحدّي ذاتي
أنتِ وسيلةٌ لأصلَ
لا إلى قمتكِ
بل إلى قمةِ نفسي
وهذا أجمل وأعظم
السفرْ
كلَّ ما رأيتُ
عزيمتي منطفئةً
قلتُ "سأقاوم"
وثقابُ خوفي
بنار شجاعتي اشتعَلْ
أنا أتحدى نفسي
ولا اتحداك
يا قمةً عظيمةً
في أعلى الجبلْ "
وفي صباح اليوم التالي
افترقنا
رجلٌ وقمةُ وذكرى
هي في سرِّها
معجبةٌ بطموحي
وأنا في سرِّي
أبحث عن أخرى
في نفسي أبلغها
من غرقَ في موتِ الجمودِ
قبل أن تدق ساعة الرحيل
انقتلْ ...
( بقلم ربيع دهام)

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق