بيروتشيما الثالثة
لم يك أحد ينتظر
أنّ الحياة ستحتضر
على أرصفة المدينة
وعلى واجهات الملاهي
وفي دنان الخمر
تطفحها نساء ورجال
لا يأبهون بالآتي
ولا فيمن ذهب
وحدها الحياة لم أعد أراها في وجوه العرب
والطيور التي لاذت من صخب الشوارع
الى صمت الشواهد والقبور
صعقتها النار واندثرت
في هشيم المصانع والمتاجر والبيوت
اهكذا يا بيروت
نساؤك الحسناوات لبسن السواد
وتوهّج رمادك بعد ان مات الحريق
وتشبّثت غيماتك الداكنة
برياح كانت حتى قبل لحظات ساكنة
لم تنم بيروت تلك الليلة
ولا الليلة التي قبلها
أو بعدها
وحدها بائعة الورد نامت
بعد أن ذبل الورد
وجفّت شفاه العاشقين
ناديتك من قلعة حلب، يا فينيقية السحنة والطباع
قلت انهضي، حان الأوان
وها هو أبو لهب
يزيد على النار الحطب
ولقد سحب الكفّار سجاجيد المسجد الاقصى المبارك
من تحت جباه المصلّين
وشقّوا غبارك
فلم يلملم أحد نثارك
وذاعت وانتشرت أخبارعارك
عندما انطفأ النور في فنارك
وما عادت السفن تدري اين ترسو
وظلّت في عرض البحر تطفو
على جبال الموج
وانكفأتِ إلى شنارك
وقال المؤمنون، إنّها لعنة الله على الكافرين
أو انّه امتحان لإيمانهم فيه
ولقد منع عنهم التشبّث بجذع الغيوم
وتراكمت على مدينتنا الهموم
لكأنّها ما عادت تعني الواحد القيّوم
وسيّان عنده إن هي شقّت ثوبها
أو أنّها ابتهجت،
لملاقاة ربّها
لكنّ بيروتشيما ليست جبانة
وستواجه حسابها يوم القيامة
وستدّعي أنّها إنّما كتبت عن الحب وعن القلب
وأنّها حفظت وصايا الرّبّ
واتاحت للبوم وللغربان
ان تبني اعشاشها
في المرفأ التعبان
فلا تلوموها
إن هي لم تميّز ما بين الأقحوان وما بين الدّنان
ولا ترجموها
إن هي قطعت رأس الثعبان