السبت، 4 سبتمبر 2021

ربيع دهام يكتب..رسالة إلى صديقي

(رسالة إلى صديقي)
هل تعرف يا صديقي كم كان جميلاً ذاك الزمان؟
زمن "التوت" العظيم.
لا ..لا تفهمني خطأً.
لا أقصد التوت البرّي.
بل أقصد زمّور "التوت".
ذاك الزمور الذي كانوا يستعملونه ليمحوا به أي "شتيمةٍ" تخرج بدون قصدٍ من فاه ِمُتكلّم.
لأن الشتيمة ، في ذاك الزمان ، كانت تُعتبر قلة تهذيب وفعل مسيء ومشين.
أما اليوم ، وما أدراك ما اليوم.
أما اليوم يا صديقي ، فإن "التوت" صارت هي قلّة التهذيب.
صارت هي المنبوذة. المتّهَمة. المركونة في سلّة المهملات.
صارت هي" التوك".
وصارَ أفول المناقب بطولة.
وأمسى السباب رجولة.
حتى الأنوثة.
حتى الأنوثة يا صديقي.
تلك الفصيلة الأجمل ، راحت تهرول مثل غيرها نحو الإنقراض الحزين.
مثل بساطتنا الجميلة ، مثل قرانا الصغيرة ، مثل عاداتنا الوثيرة ، مثل خَضار أراضينا المنعش.
دخلت مع الرجولة في حلقة المصارعة الدنيئة .
يتقاتلان فيما بينهما ومع بعضهما وضد بعضهما على الظفر بلقب الفائز الأكبر في معركة الشتائم.
على من يلبس الحزام الذهبي في قلة الذوق والأخلاق.
حتى الأنوثة يا صديقي قد شوّهوها.
مزّقوها إرباً حين شهروا أمامها يدَ "التمدّن" ، وراحوا بأصابع "الحرية"، وبأظافر "المساواة" الطويلة ، يعبثون بوجهها الرقيق حتى شوّهوا فيه كل ما بقي من قداسةِ.
فغدت المرأة فرانكنشتاين آخر.
مخلوقٌٍ جديد من صنف المخلوقات العديمة الإحساس.
تشتم علناً أمام الكاميرات.
تكذب. تفتري. تسب. تُفحِّل. تُهين.
كل هذا تحت حجّة المساواة والحريّة يا صديقي.
أتذكر يوم كُنا نقول :
" أيا ليت الرجولة تتحضّر وتتأدّب ، وترتقي يوماً إلى مستوى الأنوثة ؟"
ها الإنوثة يا صديقي ، تتدنى وتندثر وتتقهقر لتصبح في مستوى "الرجولة" الحديثة.
الرجولة التي لم تعد رجولة.
والأنوثة التي لم تعد أنوثة.
تدخل معها في معارك إشعال الفتن والحروب.
تقتحم ساحات الرشاوي.
تقبض لتصرخ.
وتستلم " شيكات مصرفية " لتصرّح و"تعيش".
ثم تدخل برلمان الدبابير لا كفراشة تغيير ، بل كدبّور "أنثوي" المظهر يعقص مثل باقي الدبابير.
في صورة طبق الأصل عن صورهم الداكنة.
وأمست شيم الرجولة عرض العضلات،
وأمست شيم الأنوثة زعيق الصرخات.
نعم يا صديقي ،
كنا بالأمس ، في زمن "الملح كذب الرجال" ،
وصرنا اليوم في زمن الكذب ملح "النساء والرجال".
لا. بل نُدخِل أولادنا معنا، عن سابق إصرارٍ وتصميم ، وجهل ، إلى حلبة الصراعات الحيوانية القذرة.
إلى معارك السباب والشتم والدناسة وقلة الذوق والضمير.
فمباركٌ على أجيال أهالينا زمنهم التوتي "المتخلّف الرجعي" الجميل.
وملعون زمننا ، وزمن أولادنا "الحضاري والحرّ" هذا.
عصر الإنحطاط الأخلاقي .
عصر الرأسمالي الشرير يموّل الإعلام والإعلامي الحقير .
عصر الحكم "الأوليغارشي" المختبىء خلف بهرجات "الديمقراطية".
نحن في زمن القلم الذي يكتب بحبر البرطيل.
نحن في عصر الصحفي الأجير.
والمحلل الأجير. والسياسي الأجير.
ورجل الدين الأجير.
والعلماني الأجير.
والمجتمع المدني الأجير. ومنظمات حقوق الإنسان الأجيرة.
ولا فرق ، مهما تعدّدت وظائفهم ، بين أجير وأجير!
مهما اختلفت وجوههم من الخارج ،
تبقى تجمعهم من الداخل قلة الضمير.
فيا لحسرة تلك الفصيلة المنقرضة من الأمهات والآباء.
هؤلاء المتمسكون بقيمهم.
هؤلاء المتجذرين في تربة الطيبة والبساطة.
مجموعات الدقّة القديمة هذه.
ووا أسفاه عليهم وعليهن.
يشفق قلب الله حين يراهم . ويبتسم ويدمع.
يبتسم كلما حجبوا بأياديهم ، الغير ملوّثة بموبقات الزمان ،عيونَ وآذان أولادهم ، مخافة أن ينقضّ عليهم وحش "الحرية" الكاسِر ، فتتسلل "حضارة رعاة البقر" تلك ، إلى دواخلهم.
ويدمع لأنهم يتعذبون.
لكن إعلم يا صديقي أن الله يحبهم.
يحبهم لأنهم صدى صوته الحقيقي على هذه الأرض.
ويحبهم لأنهم عيونه ونبضاته وأقدامه ورعشة يديه.
ويحبهم لأن صمتهم مهام طال، بيبقى أبلغ وأنبل وأرقى من كل زعيق وزيف وضجيج وضلال هذا العالم.
لأنهم هم ورود هذا العالم يا صديقي.
والوردة عبيرها يبقى بعد أفول كل الصحاري.
وها عبير التوت تدخل يدخل أرنبتي.
"رزق الله".
" رزق الله" على زمن التوووت يا صديقي.
( بقلم ربيع دهام)

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

د٠ سليمان علوان العبادي يكتب... الى كل ساعٍ للسّلام ِسلامُ

  الى كل ساعٍ للسّلام ِسلامُ وهل ينشد الاصلاحَ الا الكرام؟! فلا يعرف الِإحسانَ من ساء نهجاً ولا يكره الأنوارَ الا الظلامُ فان لفي حب الأنام...