حين تنبت الحياة من الضوء !!
(جولةٌ حره في صباحِ بغداد،)
حيثُ النورُ يولدُ من بينِ المآذنِ والقباب،
و دجلةُ يمدُّ كفَّهُ للعابرين
يقول: لا تخافوا، ما زال في الماءِ نَفَس.
ما أشعرُهُ من حياةٍ
يتدفّقُ دونَ تراجع،
نَهرٍ يعرفُ طريقَهُ إلى شط العرب،
أمٍّ تستيقظُ لتُطعمَ الحلمَ قبلَ أطفالِها.الغاطسين بالضجيج!!
يا لهذا الصباح،
كيف يَزرعُ في الأرصفةِ بريقًا من الطمأنينة،؟!!
يغسلُ وجوهَ النائمينَ بنَدى العفو!
بغدادَ بعدَ كلِّ عاصفةٍ
تفتحُ ذراعيها وتقولُ: “عدتُ كما كنتُ… حيّة.'ى
الريحُ تمرُّ على وجوهِ الناسِ بهدوءٍ أمومي،،،يغارلني الشعراء
تُداعبُ قمصانَ العُمّال،
تحملُ رائحةَ الخبزِ الحارِّ من أفرانِ الأزقّة،..
تنهضُ على وعدٍ جديدٍ
الحياةَ لا تموتُ ما دامَ فيها عِشق.
يا دجلة،
يا جدولَ التاريخِ والعشق،
كم مرةً غَسلتَ الجراحَ بمائك،
وكم نهارًا أعدتَ إلى الأرضِ نبضَهُ الضائع؟!
فيك تصحو الأغنياتُ من نومها الطويل،
في مائكِ تسبحُ أرواحُ من أحبّوا البلادَ بصمتٍ،
تعودُ من الغيابِ أسماؤُهم زهورٍ في الطين…!!
بغدادُ، يا وردةً نبتتْ من رماد،
يا مدينةً تعلّمتِ أن تنهضَ كلّما انكسرَ ضوءُها،..!!
تفتحينَ الصباحَ كما تفتحُ أمٌّ كتابَها المقدّس،
وتقرئينَ من سطورِه:
ما زالَ فينا حلم، وما زالَ فينا رجاء.!!
الولد يحملُ حقيبتَهُ إلى المدرسة،
المرأةُ تنثرُ زهرَ الوردِ على العتبات،
الشيخُ يجلسُ في المقهى
يُقلّبُ ذاكرةَ الوطنِ في استكان الشاي
الاقرب الى الحبر…
تبدو الحياةُ بسيطةً وعميقةً في آن،
كأنَّ اللهَ اختارَ هذا الصباحَ
ليقولَ للبشر:ازرعوا، ،،الأرضُ تشتاقُ خطاكم….!!
في آخرِ الشارع،
يُطلُّ جنديٌّ سابقٌ من نافذته،
يرى الصغارَ يلعبونَ في المدى،
فيبتسمُ…
يوقنُ أخيرًا أنَّ السلامَ ليسَ حلمًا بعيدًا،..!!
بل نهرًا صغيرًا يبدأُ من القلب.
صباحُ بغداد…
لا يُكتبُ بالحبر، بل بالنور،
ولا يُروى إلاّ لمن جرّبَ الفقدَ وعادَ يُحبّ…
بغداد تُعيدُ خلقَ نفسها مع كلِّ فجر،
ترسمُ على صفحةِ الماءِ وجهَها الأبديّ:
وجهَ الحياة، مهما مرّت بها العواصف.
وجه سخي ،،يلبسه الرب اكليل الابدية
والسمو..!!
( شوقي كريم حسن)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق