بين الوهم والحقيقة
بقلم الشاعر إبراهيم العمر
أنا وُلدتُ في الوهم،
وأحببتُ في الانفعال،
صنعتُ لنفسي إمبراطورية
دون موضوع، ودون قضية،
وبنيتُ أبراجًا في الهواء
دون محاور مركزية.
رميتُ بذوري كلها على الصخر،
ونصبتُ خيمتي في اليأس
عند جذع شجرة بريّة.
شربتُ من مياه البحر،
وانتظرتُ مراكب الحب
على جزر منسيّة.
هاجرت من جزري كل طيور النورس،
حتى أمواج البحر نسيت شواطئي،
وما عادت تتلاطم مع صخوري المسنّنة الوحشية.
أنا، عندما أحب،
أحب بكل شوق،
وأذوب من الشغف،
وأنساب من حرارة العشق،
وتصبح روحي شفّافة مثل النور،
ويصبح قلبي هلاميًا من الوهج.
أنا، عندما يسكنني الهوى،
ويلبسني نسيجًا حريريًا من العاطفة والحنين،
أجد نفسي أمام طيف بشري حقيقي،
وأجد نفسي أمامه مثل الوهم،
ومثل الخيال.
أجد نفسي…
لا أدري ما ماهية هذا العشق
الذي يذيبني
حتى أصبح مثل السراب،
أصبح وهميّ التواجد،
وخياليّ الأحاسيس.
أجد نفسي أعشق بشرية من الإنس،
موجودة وغير موجودة،
حقيقية من شدّة الوهم،
وهمية من شدّة التواجد والسحر والهيمنة،
حتى أنني صرت لا أدري:
أهي فعلاً إنسية؟
أم… أم أنها حورية؟!
أنا جسدٌ متشقق من الجفاف،
تسكنني روح شتوية،
ظمآن دائمًا؛
ما عادت ترويني زخّات المطر القوية.
أتخبّط في ألوان الصيف،
وقوس قزح يمشي في شراييني.
أنا عصفورٌ يلهث على أغصان الشمس،
تلفّني نسمات الربيع،
وتهفهف في صدري أوراق الشجر الندية.
أنا بائعُ زهور،
أتمشّى بعربتي على الكورنيش،
أعانق الأمواج البحرية،
وتعتصر الملوحة أشواقي الشجية.
يسرقني قرص الغروب بأنامله المخملية،
يخطفني بكل خضوع وطواعية،
يشلحني على دروب الغواية،
يدغدغ أحلامي القرمزية،
ويبعثر في الهوى شكوكي وظنوني.
إبراهيم العمر.